شُيدت أيقونة معمارية عالمية خلال الفترة الممتدة بين عامي 1970 و1972، في العاصمة ميونيخ، حيث استغرق بناء الصرح تحديداً 26 شهراً، بمشاركة 500 عامل و200 مهندس معماري وأخصائي في التصميم ورسامين من 12 دولة، عملوا جمعيهم بجهد وتفاني لأكثر من 3.5 مليون ساعة عمل، تم خلالها تصنيع أكثر من 3000 عنصر للواجهة لأول مرة في أوروبا باستخدام عملية الألمنيوم المصبوب بالطريقة اليابانية. واليوم يعد المبنى والمصنع المجاور له موطناً رئيسياً لموظفي BMW الذي يضم أكثر من 100 جنسية.
احتفلت مجموعة BMW في 22 يوليو الفائت بمناسبة مرور 50 عاماً على تشييد مقرها الرئيسي الذي يمثل أيقونة معمارية عالمياً، ودعت المجموعة أكثر من 200 ضيف دولي من رجال الأعمال، والثقافة، والسياسة، وأفراد من المجتمع المحلي للمشاركة بهذه المناسبة التاريخية العظيمة. وشهد الحفل الذي أقيم في مدينة ميونيخ الألمانية، إلقاء كل من المهندس المعماري ديبيدو فرانسيس كيري، الحائز على جائزة بريتزكر المرموقة في مجال الهندسة المعمارية، ونهال سعد، رئيسة المكتب الاستشاري والمتحدثة الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة، كلمةً أمام الحضور وكبار الشخصيات بهذه المناسبة المميزة، فيما قام الرسام كريستوف نيمان بدوره بإنشاء عمل فني مستوحى من المقر الرئيسي لمجموعة BMW.
تخلل الحدث تقديم فقرة فنية لافتة لمغني الأوبرا الالماني جوناس كوفمان، وكلمة للدكتور ماركوس زودر رئيس وزراء ولاية بافاريا. واختتمت فعاليات الحدث بعرض خاص لـ 12 راقص “باندالوب” استعرضوا من خلال رقصاتهم الشكل الخارجي للمقر الرئيسي المميز بارتفاع يبلغ 100 متر. حرص مصمم الرقصات الرائع لميليسيو إستريلا، على ابتكار عمل فني رائع، لتقدمها فرقته أول مرة في ألمانيا، حيث جسد العمل التفاعل بين الأيقونة المعمارية للمبنى والرقص.
يعد المقر الرئيسي لمجموعة BMW ببنائه المعلق، حتى يومنا الراهن، أحد أكثر المباني الهندسية ابتكاراً في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ويستقطب المبنى رواد المدينة القادمين من مختلف أنحاء العالم، بفضل تصميمه الفريد المكوّن من أربع أسطوانات طولانيّة متصلة بهيكل معدني صلب على السطح، ليحاكي شكل اسطوانات المحرك في السيارة.
الجدير بالذكر أن الاسطوانات الأربعة لا تستند على الأرض، بل هي مستندة على برج الدعم المركزي حيث بُنيت الطوابق على الأرض ثم تم تجميعها حول برج الدعم ورفعها هيدروليكياً على “عمود البرج” الضخم المصنوع من الخرسانة المسلحة.
وتم الانتهاء من تشيّيد المبنى خلال عدة مراحل حيث سُلم المشروع بالكامل في أغسطس 1972، ويقع أمام الموقع الأولمبي الشهير الذي صممه Behnisch & Partner مع Frei Otto. تولى المهندس المعماري النمساوي البروفيسور كارل شوانزر، تصميم المقر الرئيسي للمجموعة، وأصبح منذ ذاك الحين أيقونة خالدة ومعلماً تاريخياً عالمياً يمثل ميونيخ والشركة البافارية الصانعة. كما يجمع “البرج المعلق” بشكل فريد بين الإعجاز البصري ومنطق البناء العملي، بفضل واجهته الرائعة، وتصميمه المبتكر، ومفهومه الميكانيكي.
قال الدكتور نوربرت ريثوفر، رئيس مجلس الإشراف في BMW AG:
“ترك مبنى BMW بصمته على المجموعة، ليكون رمزاً معمارياً مفعماً بروح الريادة، حيث يجّسد وعي BMW وثقتها وإيمانها بأن التقدم يأتي من خلال الابتكار. إن هذا المبنى صرح مذهل للغاية بكافة تفاصيله. منذ تشيّيده أول مرة، حافظ الصرح على موقعه التاريخي لم يمسه أحد. تتناول عدة أجيال قيادة عجلة التطور والإبداع في BMW، وكل جيل يحمل مسؤولية قيادة الشركة نحو مستقبل مشرق. بدوره وفر المقر الرئيسي من تصميم البروفيسور كارل شوانزر، تعريفاً رائداً عن عراقة الشركة و تاريخها الذي تتوارثه الأجيال، وأضحى الصرح اليوم أيقونة معمارية وعالمية رائدة”.
قال أوليفر زيبس، رئيس مجلس إدارة BMW AG:
“الحديث عن الرؤى يعني التفكير بعيداً وراء روح العصر وتطوير الإحساس ليبقى خالداً ومميزاً في المستقبل. جاء تصميم الصرح المعماري ليجسد هذه النظرية وليطرح أفكاراً مذهلة في التصميم تحاكي التطورات لعدة أعوام وأجيال. على الرغم من تشيّيد المبنى منذ فترة طويلة لكنه يمثل حداثة عصرية وعراقة أصيلة يصعب مجاراتها حتى في وقتنا الحالي. هذا المبنى يمثل حافزاً للتطور والإزدهار. ونحن نسعى جاهدين لجعل الـ100 عام القادمة مكلّلة بالإنجازات والنجاحات مثل الـ100 عام الفائتة”.
في تصريح سابق للبروفيسور كارل شوانزر (1918-1975):
“لتصبح مهندساً معمارياً ناجحاً، عليك اتباع منهج الإبداع الاستباقي وتجاوز التصميمات الراهنة بسنوات طويلة، فهو فن للتواصل عبر مختلف القرون. تتلخص أفضل عناصر النجاح في المثابرة على الإبداع والدقة والالتزام بالمواعيد والاستمرارية والتواضع. البناء والتصميم ليس بالعمل الشاق، وإنما وسيلة للمتعة … والعمل بمتعة يجعل للحياة مغزى. في لغة التصميم، يتم اختيار أشكال يمكن قراءتها بوضوح وتنقل الدقة والكمال التقني وجمال الشكل كتعبير عن صورة تمثل تصميم لمصنع سيارات”.
الهندسة المعمارية في BMW
حرصت مجموعة BMW على التفكير بتقليد دام عقوداً من الزمن من خلال العمل مع مجموعة من المهندسين المعماريين المشهورين. في وقت سبق بناء المقر الرئيسي لكارل شوانزر، اختارت الشركة نوعاً ديناميكياً من الهندسة المعمارية طُبق لاحقاً في عدة مبانٍ تتبع لمجموعة BMW، منها تصميم مصنع BMW Group Plant Leipzig عام 2005 على يد المهندسة زها حديد، وتصميم BMW Weltعلى يد شركة Coop Himmelb(l)auفي عام 2007، ومصنع Rolls-Royce على يد السير نيكولاس جريمشو في غوودود عام 2003. كما كلّفت مجموعة BMW في عام 2022، المهندس المعماري ريم كولهاس العامل في شركة روتردام، إلى جانب مجموعة من المهندسين المعماريين الدنماركيين، من شركة 3XN المعمارية، لتحويل مصنعها الرئيسي في ميونيخ وتشكيل خط إنتاج معماري وحضري في المستقبل.
معرض خاص بالذكرى السنوية في متحف BMW
يعد المقر الرئيسي لمجموعة BMW ومتحف BMW المعروف بشكل “الوعاء”، من أكثر المعالم تميزاً في ميونيخ، حيث تفخر المدينة بهما كرموز راقية تجسد فخامة فن العمارة الألمانية بعد الحرب. منذ الإطلاق أول مرة، شكل متحف BMW جزءاً هاماً من رؤية كارل شوانزر للمقر الرئيسي للشركة، إذ يتضمن معرضاً خاصاً بمجموعة BMW، والذي كان مدرجاً ضمن قائمة المباني منذ عام 1999، تاريخ المقر المركزي ويعرض نماذج معمارية منذ وقت بنائه. سيستمر المعرض حتى 3 أكتوبر 2022، والدخول مجاني.